اجبارهم على العمل برغم صغر سنهم لم يحرمهم من التعلم

اجبارهم على العمل برغم صغر سنهم لم يحرمهم من التعلم
الطفلة بائعة العلك: ‘انتظر ان اعود للبيت لأنهي واجبي المدرسي’

محمد عبدالله


كانت تحرك حبات الباقلاء(الفول) في وعاء بلاستيكي صغير، وهي تفكر بالعودة الى البيت لتنهي واجبها المدرسي، وقد فرشت امامها ثمان علكات بانتظار من يشتري بعطفه ما يسد رمق عائلتها، انحنى رجل كان يسير مع عائلته والقى بـ(250) دينار ومضى.

الطفلة لينا حكيم ذات 11عام انتبذت ركن مظلام امام احدى المباني غير المكتملة في شارع (الاسكان) احدى الشوارع القديمة في (اربيل) توارت عن عيون المضايقين، والقت تحتها قطعة كارتون متأكلة، ملامحها الطفولية الناعمة عكست ضواء خافتا، كانت ترتدي ثياب رثة راحت تمتص دفء جسدها الصغير الذي بات ينكمش ويرتجف كلما هبت الرياح.

لينا البنت الوسطى لعائلة تتكون من سبعة افراد، الرجل الوحيد في العائلة هو الاب، وأم تصارع على فراش المرض، هربت وعائلتها من الارهاب الذي طاردهم وطردهم من مدينتهم (موصل)، ليلوذوا بالأمنان في احد البيوت التي استأجروها في اربيل، لم يقوى عمل الاب على سداد الايجار فعول على بنته الوسطى بعد زواج الكبيرات سنا، في مصروف البيت.

كانت مطرقة راسها على الطبق الباقلاء تزحزح حبات عن بعض، وعيونها تمسك على طارفيها دموع راحت تتراقص بصمت، قالت بصوت حزين خائف وهي تتسحب الى الخلف: "بعد انتقالنا الى هنا استأجرنا بيتا ومرضت امي وهي كبيرة في السن وعمل ابي عاملا لكنه لم يستطع سداد الايجار خرجت انا للعمل معه" وتبين انها لم تنقطع عن الدراسة برغم الصعوبات التي واجهتها من قبل المدرسة قائلا "انتظر ان اعود للبيت لأنهي واجبي المدرسي، فانا اذهب كل صباح الى المدرسة ويحضرني أبي الى هنا ويتركني ثم يأتي ليأخذني في المساء".

يقول احد الاباء (صالح عزوز): "هناك مخاطر النفسية على الطفل، فهو يكتسب من خلال تعامله مع الناس اخلاق متدنية فهو يتعلم الكذب والغش والخداع، بالإضافة الى إهماله الدراسة وفي الكثير من الاحيان يترك الطفل المدرسة نهائيا ليعمل وهذا ما يولد جيلا متخلفا في المستقبل"

لم تحلم لينا ان تحصل على عملة قد تتجاوز (5000) دينار عراقي من بيع العلكة، الا انه كانت تعرف ان هذا العمل هو تسول اكثر من ان يكون عمل، وكانت تتمنى ان يمضي الوقت بسرعة ويأتي اباها لاصطحابها الى البيت قبل ان تصاب بأي مكروه، كان حديثها ببطء وتودد كهديل حمامة مكسورة الجناح، غمرتها الفرحة عندما اعطها احدهم عملة كبيرة، الحاجة الى المال والحياء من الشفقة جعلتها تثني راسها الى الارض وتغسل عيونها الدموع وهي تقول بصوت لطيف مجروح وبلهجة مهذبة: "شكرا"

يبين حسن صابر (معاون مدرسة رمان الاعدادية): "ان عدد قليل من الطلاب يتركون المدرسة نهائيا ليعملوا، ولكن هناك عدد ليس بالقليل من الطلاب الذين يعملون مع ابائهم واقربائهم بعد الدوام، ولا اعتقد ان هذا يؤثر على مستوى التعليم، انه فقط يؤثر على مستوى التلاميذ انفسهم"

اخذت لينا تراقب العائلة القادمة من بعيد بطرف عينها، عندما بدأ رب العائلة يميل بمشيته بتجاهها، انحنى والقى بعمة ذات (250) دينار، كانت عيناها تراقب اطفاله الذين تشبثوا بيد أمهم، مضى الرجل بعد ان حمل ابنه الصغير وقبله.

0 Comments