مسرحية (رفات) مونودراما

محمد عبدالله

مسرحية (رفات) مونودراما

 -محمد عبدالله علي - رفات
مظهر العام:
(يفتح الستار، المسرح معتم بالكامل بعض الشظايا والأشلاء متناثرة على المسرح، ثلاث جثث بملابس ممزقة موزعة على المسرح و(الشاعر) الشخصية الرئيسية بملابس بيضاء، الصمت والظلام يسودان المكان، صوت رياح وسيارات، (الشاعر) ممدد بالقرب من احدى الجثث لا يظهر منه شيء حتى ينهض بتثاقل يلتفت، يتفحص جسده، يركض نحو الجثة الأولى على يمين المسرح). 

الشاعر: عماد.. عماد..(يضحك بخفوت ومكر ويلتفت لا ينظر الى الجثة) هلم يا عماد لقد أضللناهم بموتنا... عماد كفاك عبثا ... انهض قبل ان يفرشوا بظلالهم الارض...لقد ابتل ظهرك، وثيابك اكتست غبار اقدامهم...(بتوسل) هيا انهض... ما هذه المادة اللزجة على ظهرك (ينظر الى عماد يدفع الجثة، يصرخ ويكمم فمه بيده ويركض نحو الجثة الثانية) انظر يا (عقيل) لقد تهشم رأس عماد... يبدو ان الغربان أكلت رأسه لأنها لم تستطيع أن تحط عليه... ما هذا رأسك؟.. .رأسك يا عقيل... لا.. لا.. (يتلمس جسده) رأسي لايزال ينتصب وسط كتفي... يداي.. ساقاي.. (يضطرب) عماد لماذا تركتهم يزرعون الرصاص في جسدك؟ وتركت للرصاص حرية التناسل مع أفكارك... استطيع ان استنشق رائحتها...الدم والتراب والعشب عندما تتداخل تحرر هذه الرائحة... كنت أشمها هناك عندما كانت السماء تمطر رؤوسآ... لقد رسموا خرائط الخراب على جسدك... عماد حاول أن تنهض كما فعلت انا... استبدل ساقيك بجذعي شجرة... هيا قبل ان يعودوا... انظر لقد اخذوا رأس عقيل لينيروا به عتمة اجسادهم... أو ليصنعوا منه قناديل... تضيء وحشة طرقهم... اسمع... اسمع قرع الطبول سيحتفلون الليلة... سيتخامرون دمائنا...ويصلبوننا ويضرمون تحتنا النيران ليطوفوا بنا ويرقصوا... (يتهاوى من التعب والعجز) أنت أيضا يا (عقيل) أنهض لن يعيد بقاؤك هنا اطرافك ورأسك...سيأتون لأخذ ما تبقى منك... ربي لم تركتني وحدي في هذه الأرض؟... الأرض التي اكتسى وجهها بالأطراف والأعضاء والجثث، لكن كيف؟... لقد اخبرونا أن الرصاص لايقتل الأجساد وان القذائف لا تنبت على الأرصفة... واخبرونا أن أجسادنا تحتوي الشظايا ثم تبصقها... يجب أن أعود... يجب أن أعود (يحمل نفسه ويلقيها على الجثة)... لن استسلم سألبسك...آآآه لما لا تنهض...هيا ساعدني كي ألبسك، لا بأس سأتحمل ثقلك...دع للجراح حرية النزف ولرأسك سكرة الصداع... أترك الرقود وراحة الانتشاء... هيا أنهض، أصرخ، أرعد... فلصوتك هدير النصر ولأنفاسك نسيم النجوم ولضحكتك خصوبة الربيع

المشهد الثاني
الشاعر: آآآه ما هذا الصداع الذي آسر رأسي؟ علي استبدال رأسي بزجاجة خمر.. لا.. لا.. سيقتلعونها ويرتشفون رأسي ليطردوا البرد.. سأستبدلها بعلبة سجائر... لا.. أنهم لا يكفون عن نفث دخان الحروب من بين أسنانهم المسودة... آآآه إن الصداع يكاد يفجر رأسي... يجب أن اتخلص منه، تبا لقد لوث الدم كل شيء... آآآه الصداع مرة أخرى... (يركل الجثة) ما هذا إنهم هم! لقد عادوا...(يهرب الى نهاية المسرح) أنا ميت لا تلمسوني ذلك هو أنا...(يتقدم نحو الجثة)... هسسس، أنهم نيم لا تصدروا أي صوت، يبدو أنهم اكثروا من احتساء الدماء حتى سكروا... هسسس، وإلا صحوا وقتلوكم كما قتلوني أنهم موكلين بقتلنا ولقد قتلوني.. قتلوني.. قتلوني.. كيف لهم أن يموتوا؟ كيف؟ كيف؟ آآآه لقد تعبت من الحياة، والموت أكثر تعبآ.. في الحياة العمل و... العمل!... العمل والبيت أنهم بانتظاري ((خلود و حمادة ومحمد وعلاء ومصطفى))، نعم يجب أن اذهب نعم (يهم بالوقوف كأنه يستعد للذهاب)، (أوفي.. مصطفى) الآن بانتظاري أنا ذاهب لأحمله الى فراشه، كالعادة منكب على لوحة مفاتيح الحاسوب وهو نائم، لقد أصبح مدمن(انترنت)برغم سخرية اصدقائه من الهالتين اللتين تحيطان عينيه... وعلي إعادة (علاء) من ساحة كرة القدم ربما لايزال يفترش عشب الملعب ويتوسد الكرة، لقد اصبح يعشق الكرة بهوس وجنون، أحيانا أشعر بأنه يحبها اكثر مني (يضحك)...لا ادري إن كان(محمد) عاد لإثارة المشاكل والشجار مع الشباب من جديد، فهو  لا يحتمل ان يرميه احد بكلمة... (أحمد) يتعبني كثيرا، صحيح كلما كبر الولد كبرت مشاكله، غامض في كل شيء اجهل عنه الكثير... رائحة الطعام ما أشهاها أنها (خلود)... لطالما كانت تأسرني بأطباقها الشهية، هي توقن بأن قلب الرجل مرتبط بمعدته... (يهم بالذهاب) لكن كيف سأذهب؟ واترك الجثتان هنا علي حملها اليهم... يبدو أنها تفاعلت مع الأرض وبدأـ تذوب وتمتزج معها... آآآآآه المشهد ذاته! الكابوس!... علي انتزاع هذه المخيلة... من رأسي والعودة الى رشدي نعم (يدور يدور).
المشهد الثالث
الشاعر: من جاء بي إلى هنا؟ كيف وصلت إلى هذا المكان؟... لا اريد البقاء هنا ماذا تقولون؟ لماذا انظروا لهذا المكان ان الموت يتناسل على شفاه الطريق... لقد رشوا الإسفلت بأصوات رصاصهم الذي لايزال يتوغل حتى يصل المدينة... ورشقوا الجدران بأصداء صراخهم المتزاحم على مسامع الأطفال. لقد ضللت الطريق يجب أن أعود ساعدوني (للجثث)... هذه ليست أرضي... لقد خبأت بعض قصائدي هنا في جيبي... سأزرعها هنا، يسمع صوت إلقاء:
(كم احتاج من الوقت لتنظيم حياتي
كم احتاج من الصمت لأصراخ
يا رعدي
وأخي في مرآة الغيمة..
وفخاخي في مطري
دع عنك خيول الوهم
دع مشط الوقت ليمسح صلعته زهوا
دعه يجوس قوس الحيرة بالنبلة
كن
ميلا للصحوة
كن
صفرا في وقتي
كي تلوي سير الساعة
من اول مستشفى
حتى.. آخر حفر الركض.
كن.. ما تبغي
لكن..
أترك لي لحضه قناص يرقب..
موتي!
  (بحماسة) نعم سأزرعها واسقيها حتى تكبر واصنع منها  رماحا  وأقواسآ.. سأقتنص ظلامهم وظلمهم.. لان هذه الدماء يجب أن تجف وان تتطهر هذه الارض... اما آن للظلام أن ينجلي وللخوف أن يندثر و لهذه القيود أن تنقطع...(( لقد اكتسى وجه الأرض بطبقة بيضاء من دموع النساء والأطفال، وأخرى حمراء من دمائنا...هم يختبئون ويرسلون هؤلاء الكلاب علينا... لم يتركوا  لنا شيئا، اصبح كل شيء تحت أقدامهم مغتصب... ظلام آخر وصداع يعود الف مرة الف مرة...)) انا المنفي المعدم في زحمة الفراغ... هيا لم يعد لي مكان هنا... أنها أرض الحرام، لن استطيع العيش وسط هذا الدم.., هل تأتون ام لا هل تأتون ام لا؟... متى ستدركون أن الدماء لا تطهر النفوس...، بل هي تسد عين الشمس وتغرقها... هيا انهض عليك الرحيل لم يعد لك مكان هنا... علي العودة الى البيت الى زوجتي وأبنائي حيث كل شيء يبعث الطمأنينة... وانتشي بدفء مشاعرهم... أريد أن أفترش كتبي وأطير بين القصائد... والى عملي الذي أمسى ينتظر انجازه .
الصوت: اجل سأترك هذه الرفات هنا فليس هناك أجمل من معانقة أرض ولدت عليها ارقدوا بسلام. وداعآ وداعآ...
.............................................
1.مقطع من قصيدة(قناص) للشاعر الشهيد(رعد مطشر).


نص كتب عام ٢٠٠٧ واخرج من قبل المخرج (رائد حازم) ومثل من قبل (محمد عبدالله) في كركوك.

0 Comments