محمد عبدالله / اربيل
كانتا تجلسان بمقربة من النافذة، حول طاولة مستديرة صغيرة، بعد ان نهضتا كان لا يزال الجبن والبيض والخبز في الصحون، لم تأكلا سوى القليل برغم انهما ملائتا الصحون، جمع العامل الاواني وبقايا الطعام في صحن واحد وتوجه الى المطبخ.
يرمى مطعم كبير سنويا من مخلفات الاطعمة التي يتركها الزبائن في اقليم كردستان ما يغطي اذا فرش ملعب كرة قدم دولي. وبعض المطاعم الكبيرة يزيد نسبة مخلفاتها وبعضها الاخر يقل بصغر المطعم. وان نسبة هذا الهدر يؤثر سلبا على البيئة وميزانية الفرد والحكومة.
حيث ان ما يكب في حاوية النفايات ما يزن 70 طن في السنة بمعدل ما يقارب المتر المكعب يوميا، 360 م3 سنويا، اي لو فرش مخلفات مطعم واحد خلال سنة على مساحة ملعب كرة قدم دولي، فانه سيقوم بتغطية مستطيل الخط الابيض المحيط بالملعب، مرة وربع وبارتفاع خمس سنتمتر، اما المطاعم الصغيرة اذا قمنا بفرشه مخلفاته على مساحة ملعب كرة يد، فعندها سيغطي اربع مرات ونصف بارتفاع خمسة سنتمتر.
يصل قيمة الهدر في اكثر حالته الى 20% من مكون المادة الرئيسي واقل حالته الى 5%. هذا ما يخص المطاعم اضف الى ذلك مخلفات الاطعمة التي ترمى من قبل المنازل وفنادق والامكان الاخرى. بوجود هذا الهدر هناك في المقابل عائلات تقتاد وتلبس وتسكن في مكب النفايات. حيث اكدت دراسات التي اصدرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ان ما يقارب من ربع سكان العراق يعاني من الفقر والجوع.
الفقر والاهدار يقتلان الناس
مشكلة الفقر تتجاوز نسبة 23% في العراق أي سبعة ملايين فقير في العراق، وهناك 700 مليون إنسان جائع في أنحاء مختلفة من العالم، وقد أصدرت منظمة (الفاو) تقريرا يقول ان الجوع ونقص التغذية يفتكان بنحو ستة ملايين طفل سنويا في العالم، وهذا ما يعادل عدد سكان دولة الاردن.
ويتوفى واحد من كل ثلاثة من سكان العالم بسبب امراض القلب والاوعية الدموية، وتراجع الدور المباشر للعامل الوراثي وامراض اخرى مثل السكر وضغط الدم، وتتمثل في زيادة نسبة الدهون التي يتناولها الشخص خلال وجبات الطعام، ويهدر بعض الطهاة في المطاعم بالمواد المستخدمة عند اعداد الطعام مثل الدهون ظنا منهم انه يجعل الطعام انكه والذ ويجذب الزبائن.
الاهدار يؤثر على اقتصاد البلد والفرد
ان الاهدار في الطعام هو اهدار من دخل الفرد بالأساس. اي ان 50% من دخل الفرد هو للطعام و10% يهدر. يوضح د.صلاح الدين عثمان مستشار اقتصادي اقدم: " يستورد العراق سنويا 3.5 مليون طن من القمح يستخدم للخبز والصمون ومشتقاته 10% ما يهدر من القمح اي ما يقارب 35000 طن سنويا، ولا يقتصر الهدر على المطاعم وكذلك في البيوت ايضا،" واصفا كمية الهدر بـ(كبيرة جداً)، والخسارة تدفع من الطرفين المواطن والحكومة، ان هذه الخسارة فقط في القمح وهناك مواد واطعمة اخرى ربما يتجاوز الهدر فيها كمية اكبر وخصوصا الخضر ومواد سريعة التلف.
الخلاف بين من المهدر مازال قائم
يتهم بعض الزبائن اصحاب المطاعم بالإكثار من الاطعمة والمقبلات للزبون ليغريه وهذا جزء من المنافسة القائمة بين المطاعم، والبعض اخر يرى كميات الطعام المقدمة مناسبة في المطاعم، ولكن احيان يكثر المطاعم من كمية الاكل كي يحتسب سعرا عاليا اي السعر الذي يفرضه المطعم، هناك زبائن يذهبون للجلوس او للعمل وهؤلاء يطلبون وجبات كبيرة لإبداء الكرم وتعود الاطباق كما هي او اكل منها القليل، يوضح رزكار عثمان طباخ في مطعم جراخان: "احيانا تعود اواني المقبلات ولم يؤكل منها سوى ملعقة او اثنتان بالتالي هذا يرمى ولكن اذا لم يرغب الزبون بنوع من هذه الانواع فانها ستعود للمطبخ وتقدم لشخص اخر،" ، ويلقي اصاحب المطاعم اللوم على الزبائن حيث ان الزبون غالبا ما يترك كمية من الطعام في صحنه، وبعض الاحيان يطلب اشياء كثير وعندما ينهض يترك كمية من الطعام في الصحن. يظن بعض الزبائن بدفعه ثمن الطعام المطلوب فان عليه استهلاك كل ما يوضع على طاولته. يوسف عزيز احد الزبائن من عادته ترك كمية من الطعام في الصحن.
اين تذهب مخلفات المطاعم؟
هناك فئات تستثمر هذه المخلفات بطرق بدائية وبسيطة ولكن مهما كثرة هذه الفئة من الفقراء والصحاب المواشي لا يغيرون نسبة الهدر بشكل كبير، وبعض منهم يقتات على مخلفات المطاعم والبيوت، وقد نشر على قناة (bbc) تقريرا عن 2500 عائلة عراقية تعيش في معسكر سابق للجيش، والان تحول الى مكب للنفايات، يذكر صاحب مطاعم (النور) انه يجمع المخلفات ويعطيها لرجل يملك المواشي، اما مطعم (جراخان) متفق مع عائلة فقيرة يأخذون ما تبقى من طعام النظيف في الليل، واكد (خليل صابر) ان مخلفات فندق (شيراتون) تقدم لحديقة الحيوانات في اربيل، ولكن الكم الاكبر من المخلفات يذهب الى حاويات النفيات.
التلوث البيئي
يبلغ عدد المطاعم في اربيل 66 مطعم سياحي، لو قمنا بجمع مخلفات المطاعم فأن مجموع المخلفات خلال سنة واحدة تكفي ان تغطى مساحة دولة الفاتيكان. وهذا قياس ليس ثابت، فأن عدد المطاعم يزيد عن هذا، فهناك مطاعم شعبية واكلات سريعة، وهناك مطاعم جديدة لا تزال قيد الانشاء، بسبب اقبال الناس عليها، وان جميع هذه المخلفات ترمى وتبقى فترة ثم تؤخذ للمحرقة الصحية، ينتج عن الاحتراق غاز ثنائي اوكسيد الكاربون وهو غاز يسبب احتباس الحراري والذي يسبب ارتفاع درجات الحرارة، بالاضافة الى تلويثه الارض، وايضا بالنتيجة هذا هدر.
مخلفات مطعمين يكفي لبناء مدرسة صغيرة
مجموع ما يهدره مطعمين خلال سنة يكفي لبناء مدرسة صغيرة مساحتها 600م وبستة صفوف مع مرافقها الخدمية.
مشتريات مطعم سياحي واحد يصل المليونين دينار لليوم الواحد، وان المخلفات التي يرميها يقدر بـ200000 دينار، اي72 مليون دينار في السنة، ومجموع ما يرميه مطعمين 144 مليون دينار وهذا يكفي لبناء مدرسة صغيرة.
الحلول
تشييد معمل لإعادة تدوير المخلفات، حيث ان واردات معامل اعادة التدوير اكثير من ابار النفط في المانيا. اقامة دراسات وبحوث لكيفية توعية الزبائن في عدم الاسراف، من خلال وضع مطوية على طاولات الطعام يبين كمية الخسارة التي يخلفاها المطاعم. استخدام الآيات والاحاديث للتقليل من الاسراف. فصل الطعام النظيف وتقديمها للفقراء. نظام غذائي جديد بحيث توزع الحصة حسب الحاجة من السكان. تقسيم اواني الطعام الى احجام مختلفة كي يطلب الزبون ما يكتفي بيه. ويمكن انتاج اعلاف حيوانية جيدة من خلال عمليتي الطبخ والضغط. واخيرا يمكن تحويلها الى اسمدة من خلال اضافة بعض المواد الكيميائية لها.
0 Comments