سوق الصفافير في كركوك بطريقه الى الاندثار



تقرير: محمد عبدالله

كان ضجيج المطارق يعلوا كلما اقتربت من مدخل السوق، بدأ يحرك مطرقته بإيقاع موحد ويدير السطل بيده الاخرى، صرف انتباهه عن الذين حوله وكأنه وحيد في المكان؛ برغم صوت المطارق الذي كان يملأ المكان، قال (أمير قزانجه) وهو يضع مطرقته جنبا: “جئت الى هذا المكان وانا عمري ثمان سنوات، والان عمري 53عام”.



ما يميز سوق الصفارين الذي يمتد عمره الى الخمسينيات، الذي يبدأ بمدخل ضيق من جهة نهر (الخاصة) ويمتد بممر ضيق مسقف بالصفائح، ثم ينحني الى اليمين ليكون شكل السوق حرف (L) بالانكليزية، ارضيتها مفروشه بقطع الحديد او (جينكو)، وجدرانه متصدأة ومتأكلة، وتزدحم ابواب المحال بخزانات الماء يصعب المرور من خلالها.

يضيف امير: “سوق الصفارين هذا لا يعمل فيه الغرباء، اي ان اصحاب هذه المحال هم توارثوها من اجدادهم، قبل 45عام جئت لأعمل عند خالي في هذا السوق، ولم اخرج منها منذ ذلك الحين، فجميع من جاء ليعمل هنا جاء عن طريق قريب كأب او أخ او احد اقرباه، لذا بقية محافظا على حرفيه الاصليين”.

كان السوق ينتج أواني المطابخ والبراميل والأنتيكات من النحاس الاصفر في السابق، وكانت المنتوجات تصدر الى محافظات اخرى مثل السليمانية واربيل وموصل، الا انه أصبح في حالة من الضياع نتيجة ارتفاع أسعار النحاس وكثرة استخدام مادة البلاستك والألمنيوم مما لجأ الحرفيون في السوق إلى استخدام مادة الحديد المسماة بـ(جينكو )، في صنع  خزانات المياه وغيرها.

يذكر احدى اصحاب المحال الذي قضى 40 عام في حرفة الصفارة ان اغلب محال السوق كانت من الطين وبعدها اعيد بناءها من الاسمنت، ويضيف (فؤاد قزانجه 54 عام): ” في السابق كانت الحرفة تعتمد على النحاس الاصفر، ولم يكن بمقدور اي شخص العمل بها، فقط القدامى كانوا يستطيعون، والان اختفى النحاس من السوق، واختفت الحرفة”.

دفع أمير السطل الذي امامه وهم بالوقوف، عندما شاهد احد الزبائن يقف امام محله، وراح يكلمه بلغته التركمانية، كانت اشعت الشمس تصب امام وداخل المحل.

بدأت حرفة الصفارة بالاندثار بعد دخول الاجهزة الى الاسواق، وقل عدد الحرفيين، كما ان رغبة الناس في ما تنتجه الاجهزة اكثر.

يقول (ناظم زينل) مواطن: “انا استخدم خزان ماء من الجنكو منذ زمن طويل لا اذكر متى اشتريته، وهو يفي بالغرض ولا انوي استبداله بالمنتوجات الجديدة”.


أثبتت دراسة أمريكية حديثة أن الأواني النحاسية خير سلاح قاتل للميكروبات في أغلب المستشفيات والمؤسسات العلاجية الأمريكية،‏ حيث أكدت الأبحاث الحديثة فاعليتها في الوقاية من نقل الميكروبات بين المرض بصورة تقل كثيراً عن مادة.


يؤكد (شجاع نجات 40 عام) رغبته بالخزانات الحديدية التي ينتجها الصفارين، بدل البلاستيكية المستوردة وذلك لان الخزان البلاستيكي يفرز “رائحة كريهة” عندما ترتفع درجة حرارته اما الشمس.


كان الطلب على الانتاج المحلي كبيرا قبل العام 2003 الا انه بدأ يقل بعد ان اصبح العراق سوق لكثير من البلدان، واصبح الاستيراد يؤثر سالبا على الانتاج المحلي في الكثير من مجالات ومنها الصناعة، وكان لحرفة الصفارين نصيب.

يؤكد اصحاب المحال ان الطلب على الخزانات الماء والادوات الاخرى بدأ بالانخفاض من العام الماضي، وابدوا مخاوفهم من انقراض هذه الحرفة التي توارثوها من الاجداد.
............................................................................
نشر في موقع كركوك ناو

0 Comments